مقدمة في السلوك

مقدمة في السلوك

يهدف الباحثون الأكاديميون والتجاريون على حد سواء إلى فهم أعمق لكيفية تصرف البشر واتخاذ القرارات والتخطيط والحفظ، ساعدت التطورات في تكنولوجيا المستشعرات القابلة للارتداء جنبًا إلى جنب مع إجراءات الحصول على البيانات متعددة الوسائط وتحليلها مؤخرًا على تمكين الباحثين في جميع أنحاء العالم من الاستفادة من الأسرار التي لم تكن معروفة من قبل للعقل البشري.

ومع ذلك، كما أكد علماء النفس في عام 2009 أن التحدي الأكثر أهمية يكمن في المراقبة المنهجية وتفسير كيفية دعم عمليات الدماغ الموزعة لسلوكنا وإدراكنا الطبيعي والنشط والمرن.

نحن جميعًا نشطون ومنخرطون باستمرار في محاولة تلبية الاحتياجات الجسدية والرغبات العقلية في محيط معقد ومتغير باستمرار أثناء التفاعل مع بيئتنا، تطورت هياكل الدماغ التي تدعم العمليات المعرفية الموجهة نحو تحسين النتائج لأي من سلوكياتنا القائمة على الجسم.

لذا، فلبندأ مقالتنا التي ستلقي الضوء على تعريف السلوك، عناصر السلوك الإنساني، وأنواع السلوك الإنساني والخصائص العامة التسع للسلوك البشري، وبعض هذه الخصائص هي تأثر السلوك بعدد من العوامل، اختلافات السلوك في التعقيد، العوامل المؤثرة على السلوك فهي أنواع مختلفة وكذلك، كيفية أن السلوك يظهر الفروق والتشابهات الفردية، والسلوك هادف دائمًا أو هدف موجه وقليل من الآخرين.

إذن، ما هو تعريف السلوك بالضبط؟

السلوك هو كل الأفعال والنشاطات التي تصدر عن الفرد، والسلوك ليس شيئًا ثابتًا ولكنه يتغير ولا يحدث في فراغ، وإنما في بيئةٍ ما وقد يحدث بصورة لا إرادية مثل التنفس أو الحركة، أو يحدث بصورة إرادية وعندها يكون بشكلٍ مقصودٍ وواعٍ، وهذا السلوك يمكن تعلُّمه ويتأثر بعوامل البيئة المحيطة الذي يعيش فيه. 

  • عناصر السلوك الإنساني 

حسب البحث العلمي والنفسي، يعتبر السلوك البشري تفاعلًا معقدًا من ثلاثة مكونات "الأفعال، والإدراك، والعواطف"، هل يبدو إليكم الأمر معقدًا؟ لذا، فلنفسرهم واحدًا تلو الآخر:

1. الأفعال سلوك

تشير الأفعال إلى كل ما يمكن ملاحظته إما بالعين المجردة أو المقاسة بواسطة أجهزة الاستشعار الفسيولوجية، فكر في الفعل على أنه بداية أو انتقال من حالة إلى أخرى، في موقع التصوير يصرخ المخرج "حركة" للمشهد التالي ليتم تصويره ويمكن أن تحدث الأفعال السلوكية على نطاقات زمنية مختلفة، بدءًا من تنشيط العضلات إلى نشاط الغدة العرقية أو استهلاك الطعام أو النوم.

2. الإدراك سلوك

يصف الإدراك الأفكار والصور الذهنية التي تحملها معك، ويمكن أن تكون لفظية وغير لفظية يمكن اعتبار عبارة "يجب أن أتذكر شراء البقالة" أو "سأكون فضوليًا لمعرفة ما تفكر به عني" من الإدراك اللفظي في المقابل، تخيل كيف سيبدو منزلك بعد إعادة البناء يمكن اعتباره إدراكًا غير لفظي. 

يشتمل الإدراك على المهارات والمعرفة، معرفة كيفية استخدام الأدوات بطريقة هادفة (دون إيذاء نفسك)، أو غناء أغاني الكاريوكي أو القدرة على حفظ لون سترة مارتي ماكفلي في "العودة إلى المستقبل" (باللون الأحمر).

3. العواطف سلوك

بشكل عام العاطفة هي أي تجربة واعية قصيرة نسبيًا تتميز بنشاط عقلي مكثف، وشعور لا يتم وصفه على أنه ناتج عن منطق أو معرفة، هذا موجود عادة على مقياس من إيجابي (ممتع) إلى سلبي (غير سارة).

عادةً ما يتم إخفاء جوانب أخرى من علم وظائف الأعضاء التي تشير إلى المعالجة العاطفية مثل، زيادة معدل ضربات القلب أو معدل التنفس الناجم عن زيادة الإثارة عن العين وعلى غرار الإدراك، لا يمكن ملاحظة العواطف مباشرةً ولا يمكن استنتاجها إلا بشكل غير مباشر من خلال تتبع نشاط مخطط كهربية العضل للوجه، أو تحليل تعابير الوجه، أو مراقبة الإثارة باستخدام مخطط كهربية القلب، أو استجابة الجلد، أو مستشعرات التنفس، أو التدابير المبلغ عنها ذاتيًا.  

وهكذا، تكون كل تلك العناصر متصلة لأنه لا تعمل كلٌ من الأفعال والإدراك والعواطف بشكل مستقل عن بعضها البعض فالتفاعل الصحيح يمكّنك من إدراك العالم من حولك والاستماع إلى رغباتك الداخلية والاستجابة بشكل مناسب للأشخاص في محيطك ومع ذلك، من الصعب معرفة السبب والنتيجة بالضبط إدارة رأسك (فعل) ورؤية وجه مألوف قد يتسبب في انفجار مفاجئ من الفرح (العاطفة) مصحوبًا بإدراك داخلي (الإدراك). 

فالعمل = العاطفة (الفرح) + الإدراك ("مرحبًا ، هناك صديقي!")

4. أنواع السلوك

وُجدِت دراسة أُجرِيت في عام 2016 أنه يمكن تصنيف 90٪ من السكان إلى أربعة أنواع أساسية من الشخصيات وقد تم هذا في مجلة "Science Advances" من فريق من الباحثين في جامعة كارلوس الثالث بمدريد، وفريق آخر من جامعة برشلونة وهي جامعة روبيرا الأول بيرجيلي. 

وأُجرِيت الدراسة البحثية عن طريق أخذ مجموعات من الأشخاص ووضعهم في أزواج، أي كل اثنين مع بعض ثم يتعين على الأزواج أن تدور، أي يحدث تبديلًا ثم إعطاؤهم معضلات اجتماعية وإعطاؤهم خيارات أدت إما إلى التعاون، أو الصراع داخل الأزواج.

وبشكل مثيرٍ للدهشة، اكتشف الباحثون أن المتطوعين لم يتخذوا قرارات عقلانية خلال ممارسة هذه الألعاب، وهو ما كان يُعتقد أنه السلوك السلوكي مسبقًا، هذا يعني أنهم لم يختاروا دائمًا الخيار الذي كان في مصلحتهم. وبدلًا من ذلك، اختار المتطوعون من إما العمل مع شركائهم أو خيانتهم تمامًا في كل مرحلة من مراحل اللعبة، ليس بسبب أي حوافز معينة، ولكن بسبب معتقداتهم الشخصية، حددت نتائج الدراسة أن السلوك نوعان وهما كالآتي. 

سلوك استجابي: (مثير – استجابة) 

وهو السلوك الذي تتحكم فيه المثيرات التي تسبقه (المثيرات القبلية)، فبمجرد حدوث المثير يحدث السلوك.

السلوك الاستجابي لا يتأثر بالمثيرات التي تتبعه، وهو أقرب ما يكون من السلوك اللاإرادي، فهذا السلوك ثابت لا يتغير، والذي يتغير هو المثيرات التي تضبط هذا السلوك ومثال على ذلك، نزول دموع العين عند تقطيع شرائح البصل وكذلك مثل، الحليب في فم الطفل يؤدي إلى إفراز اللعاب.

السلوك الإجرائي: (استجابة – مثير تعزيزي)

السلوك الذي تتحكم فيه المثيرات البعدية، وهو سلوك يؤثر في البيئة ويغير فيها ويتأثر بالتغيرات البيئية فمثلًا، الطالب يقوم بعمل الواجب من أجل الخروج إلى أماكن محببة له.

وبما أن السلوك الفرد متوقف على المثيرات، فلنتطرق إلى تعريف المثير وأنواعه.

تعريف المثير 

هو الحدث الذي يستطيع الملاحظ الخارجي تعينه ويؤثر على السلوك.

أنواع المثيرات:

  • مثيرات حيادية: لا يصدر عنها إي استجابة، مثال: الضوء لا يستدعي سيلان اللعاب.
  • مثيرات طبيعية غير شرطية: هي المثيرات القادرة على استدعاء الاستجابة بشكل طبيعي مثال: تجربة اللحم الذي يسيل لعاب الكلب عند تقديمه له.
  •  مثيرات شرطية: هو مثير محايد، ويكون قادرًا بفرده على إحداث الاستجابة التي ينتجها المثير الطبيعي، وذلك بعد اقترانه عدة مرات. 
  • البيئة 

تعريف البيئة وأنواعها

هي الإطار الذي يعيش فيه الفرد، حيث تؤثر وتتأثر بسلوك الإنسان ولها دور مهم في تعديل السلوك، إذا كان السلوك يتجزأ إلى (استجابات)، فإن البيئة تتجزأ إلى (مثيرات).

أنواع البيئة

  • بيئة داخلية: تمثل البيئة النفسية للفرد (صراع- خوف - تفاؤل- ألم...).
  • بيئة خارجية: كل ما يحيط بالفرد ويؤثر ويتأثر به.

ولكن، ينصب اهتمامنا على البيئة الخارجية لأنها قابلة للملاحظة وهناك إمكانية للتحكم فيها وتعديلها. 

  • السلوك المستهدف 

يشير مفهوم السلوك المستهدف إلى السلوك الذي يختار ويحدد لأغراض تحسينه، سواءً كان ذلك بخفضه أو زيادته، وذلك من خلال تطبيق إجراءات تعديل السلوك.

وهناك عنصران أساسيان في وصف السلوك المستهدف، وهما:

  • الوصف العام وهو كلمة أو شبه جملة تسهل التواصل وتبادل المعلومات حول السلوك المستهدف.
  •  سلسلة من الأمثال المحددة المتكررة والقابلة للقياس والملاحظة. 

مثال: السلوك المستهدف هو تحطيم ممتلكات الصف، ويشمل على تكسير أماكن الكتب والاقلام وتمزيق أوراق العمل.

أنواع مختلفة للســـــلوك الإنســـــاني

1. أنواع السلوك حسب أطراف العلاقة 

السلوك الفردي 

وهو أبسط صورة من صور السلوك الإنساني يتم بمعزل عن مشاركة الآخرين، بمعنى انه فعل معين يؤيد الفرد بمفرده لظروف معينة وهذا السلوك يكون ناتجًا عن عادة فردية، وتحقيق الاشباع هنا يكون ذو فائدة للفرد فقط دون غيره مثل عملية الأكل والنوم والشرب

السلوك الجماعي ( سلوك مؤقت - العنف - سهولة التأثير في الغير)

وهو سلوك يؤديه مجموعة من الأفراد لتحقيق هدف مشترك يهم الجماعة، ويمكن النظر إلى سلوك العاملين في المنظمة على انه سلوك جماعي يهدف إلى تحقيق أهداف المنظمة وهو " الإنتاج"، ولهذا النوع من السلوك عدة خصائص، منها:

  • كونه مؤقتًا بزوال المؤثر أو الهدف. 
  • يتسم بالعنف في تحقيق بعض المطالب بالإضافة للقوة. 
  • سهولة التأثير على الآخرين. 

السلوك الاجتماعي 

وهذا النوع من السلوك ينتج من حب الأفراد في الانتماء مع الغير من أفراد المجتمع، فهو يمثل علاقة الفرد بغيره من أفراد المجتمع الذي يعيش فيه، ويمكن ملاحظته في تكوين الصداقات والعلاقات الاجتماعية مع الآخرين. 

2. أنواع السلوك حسب صوره

السلوك الفعلى

هو ما يصدر عن الفرد من تصرفات وأفعال. 

السلوك اللفظي

وهو ما يصدر عن الفرد من أقوال وإشارات. 

وكلا السلوكيان الفعلي واللفظي لهما ميزة الظهور، بمعنى أنهما غير مستتران. 

3. أنواع السلوك حسب نتائجه

السلوك المجزي

هو سلوك يتحقق بموجبه الهدف أو الإشباع الذي يسعى إليه الفرد دون وجود أي عوائق، ولو أخذنا مثالًا من البيئة الإدارية لإدراك السلوك المجزي لوجدنا أنه عندما يسعى موظف للحصول على ترقية، ويكون سلوكه الوظيفى متسمًا بالجدية والعمل الدؤوب، وحصل في النهاية على هذه الترقية يسمى سلوكًا مجزيًا. 

السلوك المحبط ( أسباب داخلية، أسباب خارجية)

هو عدم وصول الفرد لتحقيق إشباع أو هدف معين، بمعنى هو وجود عائق بل أن يصل الفرد لهدفه، فالموظف الذي لم يحصل على الترقية المطلوبة لوجود مانعٍ أو عائقٍ، ويُسمى سلوكه سلوكًا محبطًا، وتجدر الإشارة إلى أن العوائق قد تكون نفسية داخلية أو خارجية.

السلوك الدفاعــي ( التبرير- النكوص- التحويل- الإسقاط- الهجوم-  الانسحاب)

وهو سلوك يتخذ عدة صور كرد فعلٍ للسلوك المحبط يقصد الفرد به مواجهة الموقف المحبط والتغلب عليه، حيث يلجأ الإنسان للهجوم أو التبرير، الانسحاب وتحويل الهدف، أحلام اليقظة أو التعرض للتخلص من مسببات الإحباط. 

خصائص السلوك الإنساني

سنلقى الضوء- في مقالتنا هذه- على الخصائص العامة التسع للسلوك البشري ، وهي:  

  • يتأثر السلوك بعدد من العوامل 

يتأثر سلوك الكائنات الحية دائمًا بعدد من العوامل، تتأثر بعض أشكال السلوك البشري بعدد كبير من العوامل بينما تتأثر أشكال السلوك الأخرى بعوامل أقل.

فيما يلي مثالين لشكل بسيط من السلوك:

  1. أنت جالس في غرفتك تقرأ رواية وفجأة تتصل بك والدتك، فتترك مقعدك فورًا للرد على مكالمتها، هنا العامل الذي يؤثر على سلوكك هو صوت والدتك.
  2. أنت تمشي على طول الطريق عندما يبدأ ثلاثة أولاد في السخرية منك، هنا سيتم تحديد سلوكك من خلال عدد من العوامل، أولًا، إذا كنت بمفردك وإذا بدا أن الأولاد الآخرين عازمون على مضايقتك وإزعاجك، وثانيًا، إذا كنت أيضًا في عجلةٍ من أمرك للوصول إلى وجهتك فمن المحتمل أن تتجاهلهم وستواصل المضي قدمًا بهدوء، من ناحية أخرى ثالثا، إذا كان أصدقائك معك وتشعر أنه يمكنك مواجهة الموقف، وأنت أيضًا لست في عجلة من أمرك، فمن المحتمل أن تتقاتل معهم. 

يختلف السلوك في التعقيد 

قارن الآن المثال السابق بالمثال الأخير، هذا الأخير أكثر تعقيدًا ويتأثر بعدد من العوامل ومع ذلك، قد يرى المرء أن السلوك يتراوح في درجة التعقيد من السلوك البسيط الذي يتأثر بعدد كبير من العوامل، إلى السلوك المعقد الذي يتأثر بعدد كبير من العوامل يمكن رؤية أمثلة لسلوك معقد للغاية في أنشطة صنع القرار المعقدة، مثل القاضي الذي يصدر حكمًا يأخذ في الاعتبار عددًا من العوامل. 

  • العوامل المؤثرة على السلوك من أنواع مختلفة 

يتأثر السلوك البشري بعدد من العوامل، هذه العوامل تنتمي إلى فئات مختلفة بعضهم فسيولوجي والبعض الآخر نفساني، تتعلق العوامل الفسيولوجية بالاحتياجات الجسدية أو البيولوجية مثل، الجوع والعطش وما إلى ذلك، وتتعلق العوامل النفسية بعوامل مثل، الأفكار والآراء والمواقف وما إلى ذلك.

من ناحية أخرى، هناك عوامل لا تتعلق بالفرد ولكنها خارجية تؤثر على السلوك وهي: البيئة المادية، وطبيعة الأحداث، والأسرة والأصدقاء، والمجتمع الأكبر، وحتى الخلفية الثقافية والاجتماعية الشاملة جميعها تؤثر على السلوك وبالتالي، قد نرى أن السلوك يتأثر بمجموعتين كبيرتين من العوامل تلك التي تنتمي إلى الفرد وتلك التي تنتمي إلى البيئة، يمكن تصنيف الأول مرة أخرى إلى الجسدية أو الفسيولوجية والنفسية، يمكن تصنيف العوامل البيئية إلى فورية ومباشرة وبعيدة وغير مباشرة.

تؤثر هذه العوامل بشكل تدريجي على سلوك الناس وتشكله، مع نمو الشخص من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ، يتأثر السلوك بشكل منتظم ومتراكم بهذه العوامل، هذا هو السبب في أننا نجد أن الشخص يتصرف بشكل مختلف تمامًا كشخص بالغ مقارنة بالطريقة التي كان يتصرف بها عندما كان طفلًا.

طفل صغير يمشي مع والدته ويصادف محل لبيع الآيس كريم يصر على أن تشتري والدته الآيس كريم يبكي ويخلق مشهدًا دراميًا لأمه حتى تشتري له، نفس الطفل بعد بضع سنوات في موقف مماثل، يتصرف بشكل مختلف تمامًا على الرغم من أن حبه للآيس كريم ربما لم يتغير إنها عملية التغيير التدريجي وتشكيل السلوك التي تساعد الناس على التصرف بشكل فعال وطبيعي.

من ناحية أخرى، إذا لم تحدث مثل هذه التغييرات لسبب ما، فإن سلوك الشخص يصبح غير متكيف ويبدو غريبًا بالطبع، هناك العديد من الحالات التي لا تحدث فيها مثل هذه التغييرات ويصنف سلوك هؤلاء الأشخاص على أنه غير منظم أو غير طبيعي، سيكون لدينا بالتأكيد فرصة للتعامل مع هذه الظاهرة في مقالة أخرى بمزيدٍ من التفصيل. 

  • الفروق الفردية 

يتأثر السلوك البشري بعدد من العوامل وتختلف هذه العوامل من شخص لآخر، وحتى من مجموعة من الناس إلى مجموعة أخرى من الناس، يختلف الناس في ظروفهم الفسيولوجية والجسدية، في تجاربهم السابقة، وفي قدراتهم، وخلفياتهم، وباختصار، في كل شيء.

لذلك، من الطبيعي أنه إذا تم وضع عشرة أشخاص في نفس الموقف، فإنهم جميعًا لا يتصرفون على حدٍ سواء، يختلف سلوك كل شخص عن سلوك الآخرين في بعض الجوانب أو إلى حد ما وبالتالي، إذا سار ثلاثة أولاد على طول الطريق وصادفوا قطة، فقد يرغب أحدهم في الإمساك بالقطة، وقد يبدأ الآخر في رشقها بالحجارة، وربما يهرب الثالث لأنه قيل له إنها سيئة، علامة لجعل قطة تعبر طريق المرء.

تنتج هذه الفروق الفردية عن عدد من العوامل أو الأسباب في الواقع، يهتم جزء كبير من علم النفس الحديث بمشكلة فهم كيفية نشوء الفروق الفردية وابتكار طرق ووسائل لتقليلها.

في حين أن الاختلافات التي تنشأ من العوامل الوراثية أو الموروثة التي تؤثر على العمليات الجسدية لا يمكن دائمًا القضاء عليها ، يمكن تقليل الكثير من الاختلافات الناشئة عن الخبرة السابقة والخلفية الاجتماعية وما إلى ذلك إن لم يتم التخلص منها تمامًا.  

  • يظهر السلوك الفروق والتشابهات الفردية 

ركزنا في الفقرات السابقة على حقيقة أن السلوك يختلف من شخص لآخر، لكن هذا لا يعني أن كل الناس يختلفون عن الآخرين في جميع الأوقات وفي جميع المواقف، هناك أيضًا درجة كبيرة من التشابه في السلوك بين الناس على سبيل المثال، إذا سقطت ذرة من الغبار في عين الشخص، فإنه يحاول إزالتها.

هذا النوع من السلوك موجود عالميًا، من ناحية أخرى هناك حالات من السلوك حيث لم يتم العثور على هذه الشمولية، ولكن تم العثور على عدد كبير من الناس يتصرفون بشكل مشابه، تخيل حالة المدرسة في الخارج عندما يدق جرس الغداء للتو وكان جميع الأولاد يبدأون في الخروج، ووجدوا بائعًا متجولًا يبيع اللحوم الحلوة واقفًا في الخارج، لكن بضاعته لا تبقى نظيفة.

فسترى أن السلوك سيتغير هكذا، فبعض الأولاد يشترون اللحوم الحلوة ويأكلون، بينما مجموعة أخرى من الأولاد تأخذ نظرةً ثانيةً، ويقولون "هذا قذر!، لا يجب أن نأكله "، نجد هنا مجموعات من الأشخاص يتصرفون كما لو كانوا مختلفين عن الآخرين وبالتالي، لا نجد الفروق الفردية فحسب بل نجد أيضًا الفروق الجماعية.

من الواضح أن علماء النفس يجب أن يفهموا ويشرحوا كل هذه الظلال ودرجات التشابه والاختلاف، وسيكون من الممكن التنبؤ بما سيفعله الناس في مناسبة معينة فقط بالقدر الذي يمكننا فيه فهم وشرح أوجه التشابه هنا يمكن أن نقارن بين منصب عالم النفس وموقف الفيزيائي أو الكيميائي.

يمكن للفيزيائي أن يقول بأمان أن أي قطعة من الحديد عند تسخينها ستتوسع وبالمثل، يمكن للكيميائي أن يقول أن أي شيء يستهلك الأكسجين لكن طبيعة السلوك البشري هي أن عالم النفس ليس في وضع يسمح له بعمل مثل هذه التأكيدات حول جميع أشكال السلوك لجميع الناس في جميع الأوقات، على الرغم من أنه يمكنه عمل تنبؤات حول بعض أشكال السلوك في جميع الناس، وبين المجموعات الكبيرة من الناس وأشكال أخرى من السلوك في مجموعات صغيرة من الناس بالتالي، فإن إمكانية التنبؤ في علم النفس تعتمد على طبيعة الموقف.

من المثير للاهتمام أن نلاحظ أن جميع الأطفال حديثي الولادة يتصرفون على حد سواء، ولكن مع نموهم تظهر الفروق الفردية ومع نموها، هناك زيادة في كل من أوجه التشابه والاختلاف البالغون هم أكثر تشابهًا فيما بينهم، كما أنهم يختلفون عن بعضهم البعض عند مقارنتهم بالأطفال.

في حين أن أوجه التشابه المتزايدة قد ترجع إلى عوامل في البيئة مثل الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع، فإن الاختلافات المتزايدة تُعزى إلى حد كبير إلى عوامل في الفرد نفسه، على سبيل المثال قدراته وخبراته السابقة وما إلى ذلك وكان السبب في هذا الاتجاه هو زيادة الاختلافات وأوجه التشابه إلى حقيقة أن الأفراد ينمون وتتغير البيئة، هذا هو الموقف الذي يجعل مهمة علم النفس صعبة.

على مر السنين حاول الباحثون في علم النفس تطوير نوعين من القوانين:

  • القوانين التي تشرح عمومية وتشابه السلوك.
  • القوانين والمبادئ التي تشرح الفروق الجماعية والاختلافات الفردية في السلوك.

هاتان المجموعتان من القوانين مكملتان لبعضهما البعض في بعض الأحيان، يُعتمد اللجوء إلى جوانب علم النفس التي تتعامل مع المجموعة الأولى من القوانين تحت مصطلح علم النفس العام والأخير تحت مصطلح علم النفس التفاضلي لكن الفهم الكامل للسلوك يعتمد على دمج هذين الجانبين. 

  • السلوك هادف دائمًا أو موجه بالهدف 

دائمًا ما يكون السلوك البشري هادفًا وتُوجه أفعال الفرد دائمًا نحو هدفٍ أو آخر وفجأة، ينهض صبي جالسًا ويدرس ويأخذ كوبًا من الماء إن الهدف هنا هو الحصول على كوب من الماء والغرض منه هو إرواء عطشه ومن ناحية أخرى، تخيل نفس الصبي جالسًا ويدرس وكذلك أخته الصغرى تدور حوله وتحدث ضجة ويحاول الصبي الابتعاد عن المكان.

إن الغرض هنا هو تجنب الضوضاء والاضطراب والهدف هو الوصول إلى مكان لا تُسمع فيه هذه الضوضاء، يمكن للمرء أن يجمع نقطتين من هذه الأمثلة وفي المثال الأول، كان يمكن للصبي أن يروي عطشه، إما بشرب الماء أو بشرب مشروب غازي ويبقى الغرض كما هو بينما يمكن أن تكون الأهداف مختلفة.

وفي المثال الأخير، كان بإمكانه تجنب الاضطراب، إما بالانتقال إلى مكان أكثر أمانًا أو بإرسال أخته بعيدًا أو بضربها وهنا مرة أخرى،  يكون الغرض هو نفسه بينما يمكن أن تكون الأهداف مختلفة وبالتالي، تكون الأغراض أكثر ثباتًا واستقرارًا، بينما يمكن أن تتغير الأهداف ويمكن للمرء الاختيار من بين الأهداف البديلة.

وهناك فرق آخر هو أنه في المثال الأول يتحرك الصبي نحو الماء وهذا ما يسمى سلوك النهج أو السلوك الموجه نحو الهدف الإيجابي في الحالة الثانية، إن هدف الصبي هو تجنب الإزعاج وهذا ما يسمى سلوك التجنب وبالتالي، يمكن أن تكون الأغراض والأهداف نهجًا أو نوعًا من التجنب.

ومرة أخرى، يمكن أن تكون الأغراض إما فسيولوجية أو نفسية أو اجتماعية، إن إخماد العطش هو هدف فسيولوجي والقراءة للتعلم هي غرض نفسي، في حين أن الانضمام إلى مجموعة من الأشخاص المضربين على الرغم من عدم رغبة الشخص هو غرض اجتماعي.

استخدم علماء النفس عددًا من المصطلحات في شرح الطبيعة الهادفة للسلوك وكانت بعض المصطلحات المستخدمة هي الغريزة، والدافع، والحاجة، وما إلى ذلك في حين أن هذه المصطلحات، بشكل عام تهتم بفهم الطبيعة الهادفة للسلوك البشري، إلا أنها تختلف عن بعضها البعض.

وتتأثر المقاصد والأهداف بالعوامل الجسدية الوراثية والعوامل البيئية التجريبية، إن بعض الأغراض والأهداف عالمية وتنشأ من عمليات في الجسم بينما البعض الآخر مكتسَب ومكتسِب.

وهناك حقيقة أخرى مثيرة للاهتمام، وهي أنه في بعض الحالات يكون الكائن الحي على دراية بالغرض، بينما في حالاتٍ أخرى ليس كذلك وهذه الأغراض الأخيرة تُسمى "أغراض غير واعية"، وفي السنوات الأخيرة اكتُسِب الكثير من المعرفة حول الأغراض اللاواعية ودورها في السلوك، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى جهود سيغموند فرويد. 

السلوك قابل للتغيير على نطاق واسع

هناك عدد من العوامل التي تؤثر على السلوك البشري في ضوء ذلك، من الممكن تغيير السلوك من خلال تعديل هذه العوامل، إن قابلية التغيير هذه هي التي تمكن الطفل من أن يصبح بالغًا، ورجلًا سيئًا ليصبح رجلًا صالحًا، ثم يُصبح رجلًا سيئًا.

ومن جديد ومرة أخرى هذه الخاصية هي التي تساعد الناس على التكيف مع البيئة الجديدة فمثلًا، يكتسب هندي يهاجر إلى بلدٍ أجنبيٍ قريبًا طرقًا جديدة للسلوك ويتعلم لغةً جديدة وطرقًا جديدة في ارتداء الملابس وبالتالي، هذه التغييرات هي نتيجة تجربته.

يُشار إلى هذه الأنواع من التغييرات الناتجة عن التجربة عمومًا على أنها نتائج التعلم، إن الكثير من السلوك البشري هو نتيجة للتعلم يتعلم الطفل التصرف كشخصٍ بالغ، وكذلك الشخص الذي ينضم حديثًا إلى مكتب يتعلم العمل في المكتب ويتعلم التصرف مثل زملائه الآخرين في المكتب.

إن كل هذه التغييرات هي نتاج التعلم لذلك، كان موضوع قلق كبير في علم النفس وطُوِرت العديد من النظريات وأجرِيت عدد كبير من التجارب على كل من البشر والحيوانات.

ولم تساعد هذه النتائج في فهم كيفية حدوث عمليات التعلم فحسب، بل ساعدت الأشخاص أيضًا على تعلم السلوك المناسب في كل مرحلةٍ من مراحل العملية، لقد ساعدتنا أيضًا في إحداث تغييرات في الأشخاص الذين تعلموا أشكالًا غير مناسبة من السلوك.

في حين أن التغييرات الناتجة عن التعلم هي نتائج الخبرة بشكل أساسي، فهناك أيضًا أشكال أخرى من التغييرات في السلوك التي لا تعتمد على التعلم فعلى سبيل المثال، لا يستطيع الطفل الصغير جدًا المشي بثباتٍ بينما يمشي الطفل الأكبر سنًا بثبات، هذه التغيرات هي تغيرات طبيعية متأصلة ناتجة عن التغيرات في نظام الجسم بسبب النمو والنضج.

وفي كثير من الحالات، يمكن للمرء أن يجد أن التغييرات في السلوك هي نتيجة التفاعل بين النمو والنضج من ناحية، والتعلم من ناحية أخرى وهكذا، لا يستطيع الصبي البالغ من العمر ستة أعوام أن يستخدم مضرب تنس، على الرغم من الممارسة لأنه لم يكبر بشكل كافٍ.

ومن ناحية أخرى، لا يمكن لأي شخص بالغٍِ أن يكون لاعب تنس جيدًا ما لم يتعلم ويمارس، فالتغييرات في السلوك هي نتاج النمو والنضج والتعلم ولكن العملية المشتركة وتأثير كل هذه تُسمى عملية التنمية. 

يظهر السلوك أيضًا الاستقرار 

فالحياة ليست دائمًا مليئة بكل أنواع التغييرات بينما يتغير سلوك الأشخاص، وفي الوقت نفسه هناك أيضًا استقرار معين في السلوك، فلا يتغير مع كل تغيير في البيئة ولا تتغير جميع أشكال السلوك.

يظهر السلوك البشري الكثير من الاستقرار على سبيل المثال، قد تجد جدتك تفضل الأفكار القديمة وطرق الحياة القديمة، على الرغم من أنها تعيش في مجتمع حديث للغاية، هذا هو ما يجعل الحياة مليئة بالتناقضات وهذا أيضًا يجعل من الممكن لطبيب النفس أن يتنبأ بالسلوك وبالتالي، إذا كان السلوك البشري غير مستقر، فسيحدث ارتباكًا تامًا ولن يكون الأشخاص قادرين على العيش مع بعضهم البعض.

ولكن هذا الاستقرار ناتج عن الحقائق التالية:

  • التغييرات في السلوك تكون دائمًا أبطأ من التغيير في البيئة.
  • هناك فترات معينة من الحياة عندما تسير التغييرات الفسيولوجية ببطء إلى حد ما.
  • تكون التغيرات النفسية بطيئة في بعض الأحيان، عندما لا تؤدي التغيرات البيئية السريعة إلى تغيرات سريعة مقابلة في السلوك
  • ومع ذلك، غالبًا ما يحدث أنه عندما تكون التغيرات الفسيولوجية سريعة، تظل البيئة مستقرة.

أكثر من كل هذا، هناك الحقيقة التي تسهم في استقرار السلوك وهي الطبيعة الهادفة للسلوك البشري وذلك، إلى الحد الذي تظل فيه الأغراض ثابتة، يُظهر السلوك الاتساق والاستقرار. 

السلوك متكامل

يتأثر السلوك البشري بعدد من العوامل يتأثر بمجموعة متنوعة من الأغراض، فلكل إنسان أهداف فسيولوجية ونفسية وشخصية واجتماعية، لقد كان هذا أيضًا موضوعًا ومساحةً لتجارب تعليمية مختلفة وعلى الرغم من كل هذا، يُظهر السلوك دائمًا ترتيبًا وتسلسلًا هرميًا للأغراض، حيث يؤمن كل فرد بأنه شخص كامل، وليس بطريقة غير متوقعة.

تؤدي عملية تنظيم الأغراض المختلفة والتعلم المختلفة والعوامل المؤثرة المختلفة إلى تكامل السلوك وهكذا، لا يزال الفرد الذي يوضع في مواقف مختلفة يُظهر طرقًا وأنماط سلوك مميزة معينة تساعدنا على فهم سلوكه والتنبؤ به وأيضًا لتمييزه عن الآخرين. 

فعلى سبيل المثال، عندما نقول إن فلانًا شخص لطيف فإن آخرَ شخص غير سعيدٍ، وثالثًا شخص اجتماعي، وما إلى ذلك فهنا يكشف كل شخص عن بعض الخصائص المهيمنة للسلوك والتي يُكشف عنها في جميع المواقف تقريبًا، ويستخدم علماء النفس مصطلح "الشخصية" لوصف عملية التكامل وتنظيم السلوك التي تعطي إحساسًا بالفردية أو التفرد لكل شخصٍ، وكلما زادت درجة الاندماج في سلوك الشخص زاد احتمال أن يكون سلوكه أكثر فاعليةً.

وبالفعل، خُصِص قدر كبير من البحث في علم النفس لدراسة عملية التكامل وشرحها وتنمية الشخصية هذه، وطُوِرت عدد من النظريات في هذا السياق ولكن، المهم هنا هو حقيقة أن السلوك البشري يُظهر الاستقرار والاتساق والتشابه وكذلك التفرد.

وفي الختام، يعتبر السلوك البشري مجالًا ديناميكيًا متعدد الأوجه للدراسة، ويتطلب العديد من نقاط الاستجواب لتقديم رؤى تضع عمليات التعلم الأساس لتحديد العديد من سلوكياتنا، على الرغم من أننا نتغير باستمرار استجابة لبيئتنا، يعد فهم سلوكياتنا مهمة صعبة ولكنها مهمة قد يُقترب أكثر من تحقيقها، لقد علمتنا طرق الدراسة التقليدية أشياءً كثيرة، والآن يمكن لأجهزة الاستشعار الحيوية أن تقود الطريق.

ونتمنى أن تكون قد استمتعت بقراءة هذه المقالة من الدليل الكامل للسلوك البشري. 

النشرة الإخبارية

اشترك فى نشرتنا الإخبارية واحصل على أحدث العروض و الإعلانات و الأخبار