استراتيجيات مواجهة التحرش الجنسي

استراتيجيات مواجهة التحرش الجنسي

كما قلنا في مقالات سابقة لنا إن التحرش الجنسي قد يأتي في العديد من الأشكال المختلفة، لكن المشاعر السلبية التي تلحق بحياتكِ غالبًا ما تكون هي نفسها.

ولحسن الحظ أنه من الممكن المضي قدمًا بطريقة صحية بعد التعرض للاعتداء، وبالتالي قد يساعدكِ تعلم استراتيجيات التأقلم الصحية وممارستها لمواجهة مثل تلك الأنواع على تجاوزها، حتى تتمكنين من المضي قدمًا بل وتعيشين حياة أفضل في المستقبل، وهو ما سنتناوله في مقالتنا اليوم والتي اقتبسناها من كتب تتناول قضية التحرش الجنسي .  

لكن أولًا ما هي دوافع التحرش الجنسي وأسبابه؟

تعددت الأسباب المؤدية والمساعدة على الاعتداء الجنسي، وهذا باختلاف آراء الباحثين لذا، سنعرض بعض الأسباب، وهي كالآتي: 

أسباب التحرش الجنسي

1. سوء استعمال السلطة: إن التحرش الجنسي ليس جنسيًا في دوافعه دومًا، إذ أن ممارسي التحرش الجنسي في الغالب لديهم سلطة على الشخص أو على المرأة التي يمارسون عليها التحرش، فيستغلونها أمام ضعف المرأة أحيانًا.

 2. تزايد ظاهرة دخول النساء في المهن المخصصة للرجال: وذلك بقصد إبعاد المرأة عن منافسة الرجل في المهن التي يعتقد أنها تخصه هو دون النساء، فيكون التحرش الجنسي ضربًا من ضروب طرد النساء من الدخول إلى المهن أكثر من كونه نشاطًا جنسيًا لذاته.

3. ضعف الوازع الديني بين البشر: حيث أصبحت بعض القيم خرقًا بالية وموروثات قديمة في المجتمع.

4. الأسباب التي ترجع للمرأة بحد ذاتها: وهي طريقة اللباس وطريقة الكلام، حيث ترتدي المرأة أحيانًا بعض الملابس الصارخة والفاضحة، التي تعرض مفاتنها، خاصةً أمام ذوي النفوس الضعيفة، مما يؤدي إلى التحرش بها ظنًا منهم أنها ستنصاع لأوامرهم، كما أن طريقة الكلام تُعتبر سببًا أساسيًا، في هذه الظاهرة، لأنها تكون أحيانًا جذابة فكل شخص ينجذب لشيء محدد لدى المرأة. 

5. ضعف القوانين ولا سيما في الدول العربية: مما يجعل مرتكبي هذه الجريمة غير آبهين، بما سيحدث فيما بعد، خاصةً وأن الإجراءات القانونية تأخذ وقتًا، ولا يمنع أن يكون التحرش الجنسي واقعًا بدافع الرغبة الجنسية بالتالي، لا يمكن استبعاد الرغبة الجنسية في ارتكاب هذه الظاهرة، حيث تبقى هي الدافع الواضح. 

6. غياب الجرأة والشجاعة لدى بعض النساء: تلتزم أغلب النساء بالصمت في زمن السكوت هذا الذي يلم حول هذه القضية، والذي يكون لعدة أسباب يستغلها المتحرش لمعرفته المسبقة أحيانًا أن هذه المرأة لن تقوم بالإبلاغ عن هذه التحرشات.

7. صعوبة الحصول على دليل: من الصعب إيجاد دليل يبين أن ظاهرة التحرش الجنسي قد وقعت فعلًا، مما يؤدي بالمتحرشين إلى ممارسة فعلهم دون خوف أو تردد، ويبقى لكل فرد دوافعه الخاصة به التي أدت به إلى ممارسة هذا الفعل ( التحرش الجنسي). 

8. الإعلام: حيث أنه، في الغالب حاليًا، يستغل جسد المرأة بصورة مثيرة للاشمئزاز. 

استراتيجيات مواجهة التحرش الجنسي 

بعـد عـرض مشـكلة التحـرش الجنسـي فـي المجتمـعات بأنواعها المختلفـة مـن حيـث الأسـباب واشكال ظهورها على المـرأة والأطفال و الأسـرة والمجتمـع ككـل وحجـم ظهورهـا فـي المجتمـع، وذلك في سلسلة مقالات سابقة لنا.

إذن، ینقصنا الآن وضع مجموعة من الآليات والاستراتیجیات لحـل هـذه المشـكلة أو علـى الأقـل الحد مـن حـدوثها والتقلیـل مـن جوانبهـا السـلبیة، وعلى الرغم من أنه من الصعب، في ظل هذه التغیرات القضاء علـى ظـاهرة التحـرش الجنسـي فـي المجتمع العربي، إلا أن هنـاك مجموعـة مـن الآلیـات التـي مـن خلالهـا یمكـن تقلیـل خطورتهـا علـى المجتمـع وجعلهـا فـي الحـد الأدنـى. 

 وفـي هـذا الصـدد، لابـد مـن البـدء بالفـرد لحل هـذه المشـكلة سـواء كـان المتحـرش أو المُتحـرَش بهـا: 

  • فالمتحرش یحتـاج إلـى مجموعـة مـن الإجراءات، قد تكون العقاب أو النصح وغیرها على حسـب حجـم التحـرش الـذي یقوم بـه.
  •  أمـا المـرأة أو الرجل أو الطفل (المُتحرَش بهم)، فلا بـُد مـن توعیتهم بحقوقهم وتشـجیعهم علـى التحـدث لمـا یحـدث لهم مـن تحرشات وعدم الخوف من نظرة المجتمع لهم. 
  • وبعد ذلـك، لابـد مـن تـدخل المنظمـات الأهليـة، لتوعية المرأة والطفل وغيرهم، أملًا في الدفاع عن حقوقهم والضغط على الحكومـة للاهتمـام بقضـایا المـرأة وحقوق الأطفال، من التحرش الجنسي للأطفال، والذي يُعرف باسم "مرض البيدوفيليا".
  • وعلى الدولة التدخل الأمني بزيادة الحمایة الأمنيـة، خاصـةً فـي المناسـبات والأمـاكن غیـر الآمنـة والمشــتبه فیهــا. 

وفــي الســطور الآتية، ســوف نعرض لكم مجموعــة مــن الاســتراتیجیات التــي نـادى بهـا الخبـراء والمتخصصـین والناشطين فـي مجـال حقـوق المـرأة والطفل والمنظمـات الأهلیـة، وذلك وفقًا لعدة مداخل، بموجب أن المسؤولية الاجتماعية تلعب دورًا هامًا في استقرار الحياة للأفراد والمجتمعات، فهي حاجة اجتماعية بقدر ما هي حاجة فردية، لأن المجتمع بأسره بحاجة للفرد المسؤول اجتماعيًا كحاجته للمسؤول دينيًا ومهنيًا وقانونيًا. 

أولًا: دور المرأة

 في حل المشكلة، إذا اعترفنـا أن المـرأة هـي التـي تقـع علیهـا المشـكلة، وهـي التـي تتحمـل الجانب الأكبر من آثار هذه المشكلة ومـن ثـمَّ، وجـب علینـا أن نبـدأ بالمُعتـدَى علیـه لیتفـادى هذه المشكلة ویتفادى آثارها، وذلك من خلال مجموعة من الطرق التوعویة بحقوقها القانونیة ومعرفتها معرفة جیـدة، وعـدم التنـازل عـن أي حـق مـن حقوقهـا والتخلص من هاجس الخوف حول التحدث عن التحرش الجنسي، بل والتخلص مـن اعتقـاد أن الصمت هو الحل الأسهل وتجنـــب أشـــخاص بعیـــنهم وهكذا، فـــلا داعـــي للركـــوب بجـــوار الســـائق أو التبســـط معـــه فـــي الحدیث، عدم الذهاب إلى عیادة الطبیب منفردة، فلا بُـد مـن اصـطحاب أحـد المحـارم، أو إحـدى النساء اللاتي هنّ محل ثقة، كما عليها تجنـب الأمـاكن النائیـة التـي یسـهل فیهـا الانفـراد بالضـحیة، وكـذلك الأمـاكن المزدحمـة التي یمكن فیها للجاني الإفلات وعدم السیر في أماكن مظلمة أو هادئة.

ثانیًا: دور الأسرة

ولحل تلك المشكلة، على الأسرة القيام بمراقبة الأبناء وعدم إعطائهم الفرصة لمعرفة أصدقاءالسوء، كما من الضروري خلـق حالـة مـن حـالات الثقـة بـین الأبويْن والفتـاة على وجه الخصوص، الأمـر الـذي یجعلهـا تُصـارح أهلهـا بمـا یحدث لها من حالات تحرش وهكذا، ظهرت أهمية توعیة الأسرة للأطفال بالسلوكیات السـلیمة وغیـر السـلیمة بأسـلوب غیـر مباشـر، لـتُمكن الأطفال من تجنب وقوع تحـرش جنسـي بهـم، والذي يُعرف باسم "البيدوفيليا"، خاصـةً وأن معظـم الدراسات تؤكـد أن هنـاك نسبة كبیرة من الأطفال یتعرضون للتحرش الجنسي، وعلى الأبويْن تجنـب الممارسـة الجنسـیة أو المداعبات الحميمية أمـام الأطفـال، حتـى لا یخلـقا لـدى أطفالهما حـب التقلید والتجریب بينهم وبين أصدقائهم في الصفوف الدراسية. 

ثالثًا: دور المجتمع المدني

بدایةً، إن المجتمع المدني هو مجموعة المؤسسات الواقعة بین الأسـرة و الدولـة، ويشـمل المنظمــات الأهلیــة، الأحــزاب السیاســیة، جماعــات المصــالح، النقابــات العمالیــة والمهنیــة، الأندیة والاتحادات وممـا لا شـك فیـه أن المجتمـع المـدني، فـي الفتـرة الحالیـة لـه دور مـؤثر علـى قضـایا حقـــوق الإنســـان بصـــفة عامة، المـــرأة بصـــفة خاصـــة ویكمـــن دور المجتمـــع المـــدني فـــي مجموعة من الأشیاء، وهي كالآتي توعیة المرأة بحقوقها وتوعیتها بكیفیة مواجهة التحرش الجنسي، وفي الضغط على الحكومة في تشدید عقوبة التحرش الجنسي في التشریع، وكذلك في طرح مجموعة من الحلول لمواجهة قضايا التحرش الجنسي. 

رابعًا: دور الدولة

یتمثل دور الدولة في التصدي للتحرش الجنسي في الدور الأمني والرقابي، وتوفیر الضمانات الأمنیة للمرأة لحمايتها من التحرش الجنسي، والرقابة على وسائل الإعلام والحد من الإعلام المسموم المُباح وتشدید العقوبات لتجریم ذلك، في حين أن دورها التشريعي يتضمن وضع التشریعات التي تحمي المرأة من التحرش الجنسي وتغلیظ عقوبة التحرش الجنسي ولها كذلك دور تنموي، حیث تعمل الدولة على تحقیق التنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة من خلال القضاء على الفقر والبطالة، والتي تؤدي إلى عنوسة الشباب، مما یجعله یسلك مسلكًا غیر شرعي لإشباع حاجاته ورغباته الجنسیة، كما عليها القضاء على الغلاء وارتفاع أسعار السكن وتوفیر الوحدات السكنیة للشباب، بالإضافة إلى ذلك العمل على التنمیة الاجتماعیة للفرد والأسرة.

خامسًا: دور الدین

إن حل المشكلة يكمن في الإجابة على تلك الأسئلة: "كیف يتعامل الدین مع مثل هذه الجرائم؟ وما حكم الشرع فـیمن یرتكبهـا وعقوبتـه؟، المنهج الوقائي الذي وضعه لمواجهة مثل هذه الجرائم؟ 

إن القضــیة تحتــاج إلــى نظــرة متكاملــة لا یُنظَــر فیهــا فقــط إلــى الجــاني أو إلــى المجني علیها فقط، فذلك تسطیح وتجزئـة للقضـیة، لكـن لا بـُد أن تُعـالَج مـن جمیـع وجوههـا الشرعیة، الاجتماعیة، النفسیة، التربویة، الإعلامیة، لأنها انعكـاس لـذلك كلـه. 

وقـد بـدت هذه المعالجة الشمولیة المتكاملة في الرؤیـة الإسـلامیة، فعنـدما قـال الرسـول الكـریم ﷺ: «مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنينَ واضربوهُم عليها وهمْ أبناءُ عشرٍ وفرِّقوا بينهُم في المضاجعِ»، فقــد جمــع بــین الرؤیــة الإیمانیــة والرؤیــة الأخلاقیـة فـي منظومـة واحـدة، لدرجـة أنـه یمكـن النظـر إلـى هـذا الحـدیث بوصـفه مدرسـة تربویـة كاملـة، إذ عـرَّف الطفـل منـذ نعومـة أظـافره أن هنـاك حـلالًا وحرامًـا، وأمـر المربـي بصــیانة الأبنــاء ومــراقبتهم وســد الــذرائع، وإغــلاق الطــرق التــي یمكــن أن تفضــي بهــم إلــى الوقوع في المُحرم، وغرس العفة والأدب والالتزام في نفوسهم منذ الصغر.

 كما أمر القـرآن الكـریم الآبـاء بتعلـیم الأبنـاء أدب الاسـتئذان حين یبـدءون مرحلـة الفهـم والإدراك، حتـى یتعلمـوا أن لكـل شـخص حرمـة حتـى ولـو كـان أحد أقاربه یجـب ألا یتعداها، وبذلك یحفظ أبصارهم عن أن تقع على عورات الكبار، وقـد فصـلت سـورة النـور هـذا المـنهج الوقـائي مـن جریمـة التحـرش، فـأمر االله فیهـا بغض البصر وحفظ الأعراض وعدم إیذاء المرأة، سواء بالقول أو بالفعل.

وقد قــال الله تعــالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}، (الأحـــزاب: ٥٨)، واعتبـــر الإســـلام المـــرأة عِرضًا یجـــب أن یُصَـــان، ورفـض وحـرَّم كـل اعتـداء علیهـا مثـل الرجـل، فقـال (ﷺ): «كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ ، دمُهُ ، ومالُهُ ، وعِرضُهُ» (صـحیح مسـلم). 

وأخيرًا، الكل يدرك أن التعرض للتحرش الجنسي أمر مؤلم للغاية ومع ذلك، لا يجب أن تدمري حياتكِ، حيث تتقدم عدد من الناجيات إلى الأمام بطرق صحية ويتعافون من هذه التجربة المؤلمة.

ولكن إذا كنتِ غير متأكدةً من قدرتكِ على إيجاد المساعدة، فاتصلي  بـ "خدمة مواجهة التحرش" في البلد الخاص بكِ، أو الجئي إلى الطبيب النفسي، أو حتى العلاج عبر الإنترنت فهو أيضًا خيار، وتيقني أن طلب المساعدة ليس علامة ضعف، بل يتطلب الأمر القوة والشجاعة للوصول، لأن قيامكِ بهذا يمكن أن يساعدكِ على الشفاء من الصدمة المرتبطة بالاعتداء الجنسي.

النشرة الإخبارية

اشترك فى نشرتنا الإخبارية واحصل على أحدث العروض و الإعلانات و الأخبار